Sitemap

إفتاء التجديد في التشابك والتعقيد

4 min readJul 17, 2024

--

في قراءة لكتاب عن علم التعقيد مؤخرا وجدت نفسي اتأمل بساطة الأنظمة المعقدة المتكيفة في تصميمها، ولم اتمكن من ردع ذهني الى الشرود الى نظم أخرى فاجأني وجود نفس العلل في تعقيدها، أو بساطتها.

بإمكاننا أولاً ان نشرح بشكل مبسط علم التعقيد، أو التعقيد عموماً Complexity كما وصفت من ممن ساهموا في تأسيسه “هو نظام يمكننا وصفه بأن كله أكبر من مجموع أجزاءه”. إحدى الأمثلة الكلاسيكية على الموضوع تتجسد في سرب طيور أو سمك في البحر، حيث يمكننا وصفها ببساطة بأنها مجموعة أسماك، لكن هذا التعريف لا يصف العلاقات التي تنظم حركة السمك أو حركة السرب ككل، مما يجعل النظام المتكيف المعقد Complex Adaptive System عصي عن التعريف المتبع في النظم الميكانيكية التقليدية التي اتتنا من عصر فلسفة علم نيوتن وديكارات.

يسمى علم التعقيد والأنظمة التي تنبثق عن فهمه بالعديد من الأسماء، السبب في ذلك ان العلم والنظريات التي تؤطره ، فتارة نجدها باسم Gestalt Systems وتارة أخرى نجدها بأسم هي ايضاً في طور الانبثاق Complex Adaptive Systems

هدفي هنا ليست مراجعة تاريخية لأسماء علم التعقيد، بل التعريج على بعض المفاهيم الموجودة في الشريعة الاسلامية وكيف تم التأسيس لطريقة تفطير معقدة في الاسلام حاولت فهمه من خلال فهم خلافة عمر بن الخطاب، وكونه متبع ومؤسس في علم القيادة على المستوى العالمي، وان ايحاءه هذا سبق اعتناقه للإسلام، فيمكننا ايعاز ذلك الى ما وافق سجيته، وما زافق القيم التي نشأ في ظلها في شبه الجزيرة العربية محاطاً بها وبهم.

وهذا يعود بنا الى فقه التعقيد، ومعنى الفقه هو حسب ويكيبيديا

الْفِقْهُ في اللغة: الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم، وتخصيص اسم الفقه بهذا الاصطلاح حادث، واسم الفقه يعم جميع الشريعة التي من جملتها ما يتوصل به إلى معرفة الله ووحدانيته وتقديسه وسائر صفاته، …

وهذا سيساعدنا قليلاً عند التعامل مع كلمة فقه التعقيد، لأني وجدت في علم التعقيد فقهاً شرعياً يدل عليه، ويساعدنا في التعامل مع تعقيدات ما يلتبس علينا من فقه التعقيد وفقه الشريعة.

المتأمل الى الظاهر المحيطة بالعالم الاسلامي يمكنه ان يرى بوضوح حالة من الاطراب التي نعاني منها، اذا كان الموضوع بفتاوى رضاعة الكبار، أو ظهور داعش، مع ظواهر غريبة كأحزاب دينية تعاني من انتشار فظيع لأنواع من الفساد الممهنج والعفوي. يمكننا الجزم أن مراكز القرار الأسلامي تعاني، وأن الفرد المسلم يتأثر سلباً بتلك المعاناة. ما علاقة كل ذلك بعلم التعقيد؟ سأتناول هذا الان.

المتأمل لعلم التعقيد يمكنه التعرف على ظاهرة تسمى Self organizing theory

وظاهرة التنظيم العفوي. يدخل هذا الموضوع في طرق وصف وادارة الأنظمة المعقدة المتكيفة بشكل عام، لكنه محل اهتمامنا عند محاولة فهم أسباب صعوبة إدارة المجتمعات المسلمة وفق الاسلام مع وجود عدة محاولات جادة وناجحة تاريخياً وحول العالم اليوم، الا اننا في حالة من التسليم على ان الحل الوحيد في العلمانية، وهذا بدوره يعود الى العديد من العوامل التي ليس في وسعنا الدخول فيها هنا، الا اننا يجب ان نشير الى ان المبرر لتبني علمانية الدولة ليست على الاطلاق رأي يستهان به أو يقودنا الى الالحاد كما يحلو للبعض وصفه، بل هو نظام فلسفي لتنظيم التجمعات البشرية يمكنه خدمة هذه التجمعات البشرية والمؤسسات التي تنبثق عنها بشكل فعال، او لا.

هنا نعود الى الشريعة الاسلامية لنرى بوضوح مثالاً جيداً على وجود ين ويانغ مسلم في فقه الشريعة الاسلامية. هذه الازدواجية الجدلية الهيغلية نجدها بوضوح في الأصل التشريعي لفقه المعاملات مع رديفه في فقه العبادات أو العقائد.

أعني هنا الأصل في فقه المعاملات، الاباحة. وهذا معناه ان كل شيء مباح للمسلم ما لم ينظم بنص قرآني أو سنة نبوية، ومنها تفرعت الكثير من العلوم الشرعية للرد عن استفسارات الناس عبر العصور التي لم تنظم بنص أو حديث كالقياس بعد القران والحديث والاجماع. لكن لن ندخل الى هذا، خلونا في الاباحة.

أبعاد هذه الاصل الفقهي يعني ان المسلم يتصرف على هواه في تعامله مع نفسه والطبيعة والاخرين ما لم يقيد تصرفه بشيء من القران أو السنة أو إجماع علماء الأمة والتي فيها الكثير من المرونة ايضاً، لكن يسعنا هنا التركيز على الحرية النسبية في اختيار ما يناسب كل فرد مجتمع بمعزل عن الدين، لأن الدين لا يحاول اقحام نفسه في جميع مستويات التعامل مع الطبيعة الا لما ليس للفرد فيه الخيرة، مع احتفاظ علماء وولاة الأمور على هامش من توقيف بعض الاحكام التي يرون عدم جدواها أو تأثيرها السلبي عموماً في طروف معينة والأمثلة على ذلك كثيرة من عصر الخلافة الراشدة وما بعدها ان لم نرغب بدخول الناسخ والمنسوخ عند النبي صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك ان تنظيم فقه العبادات لا مركزي، انبثاقي، متجدد، غير مقيد في الأصل، ومرن.

الأصل الفقهي المقابل للمعاملات هنا هو التوقف، في العقائد، والذي نحتاج التوقف عنده. بمعنى ان الأصل الفقهي عدم اضافة أي شيء لطرق العبادة شرعياً وتعميمها على الآخرين، والتركيز هنا على فكرة ان يجتهج المرء في العبادة على غير نفسه. فاذا كنت ترغب بالزيادة في العبادة فهذا الموضوع لم يشير عليك به مشرع شرعي، لكنك لم تؤخذ على اضافته لعباداتك وتقربك الى الله ما لم تدعو الناس اليه طوعا أو كرهاً. وهذا معناه ان فقه العبادات مركزي، مقيد في الأصل، غير متجدد، متين وصلب.

اذا تتبعنا فقه التعقيد في فقه التشريع للاحظنا ان فقه المعاملات في تضاد مباشر للفقه الإداري في تنظيم فقه العقائد،، الشيء المذهل اذا اعتبرنا ان النظام دخل حيز التنفيذ قبل حوالي 1400 سنة، واستمر بشكل ما أو بآخر. المشكلة التي حدثت في المئة السنة الماضية ان الإدارة الممكننة التي تبنت الفلسفة النيوتنية والديكارتية في التعامل مع الفرد والمؤسسات التي تقوم عليه، لم تتمكن من تبني نفس الإزدواجية الفلسفية في إدارة ذاتها أو السماح للقيود الممكنة لهذه النظم بأداء أدوارها.

محاولتنا لاختزال فقه الإدارة في الطرق المكنية البسيطة في ادارتنا لانفسنا كما في ادارتنا للمؤسسات التي تخدمنا تسطيح لنظم معقدة متكيفة الأجدر بنا دراسة وتجربة استغلال المرونة المحاكة عضوياً في نسيج مجتمعاتنا ومؤسساتها بدلاً من فرض نتائج غيرنا على علل لم تكن لخلل في النسيج، بل لخلل فيمن يرتدي ثوب القرار في بعض الأحيان.

من مقال كتبته 2/22/2022

--

--

Ahmad AlShagraاحمد الشكرة
Ahmad AlShagraاحمد الشكرة

Written by Ahmad AlShagraاحمد الشكرة

انسان، مهتم بالواقع وتحسينه بالتعليم. مسلم، عربي، عراقي

No responses yet